المحكمة الدستورية
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباحالأحمد الجابر الصباح
بالجلسة المنعقـدة علناً بالمحكمة بتاريخ 29مـن ذي الحجة 1438هــالموافـق 20 سبتمبر2017م
برئاسة السيد المستشار /يوسف جاسم المطاوعة رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين /
خالد سالم علي ومحمد جاسم بن ناجي
وخالد احمد الوقيان وعلي احمد بوقماز
وحضور السيد / يوسف احمد معرفي أمين سر الجلسة
صـدر القرار الآتي:
فـي الطلـب المقـدم مـن:
مجلس الأمة
في شأن تفسير المادتين (92) و(97) من الدستـور
لبيان المقصود بكلمة (الحاضرين) الواردة بهما
على ضوء النصوص الدستورية ذات الارتباط
المقيد في سجل المحكمة الدستورية برقم (1) لسنة 2017"طلب تفسير دستوري"
الوقائــع
حيث إن حاصل الوقائع ـــ حسبما يبين من الأوراق ـــ أنه بناء على قرار مجلس الأمة المُتخذ بجلستيه المعقودتين في 11/12/2016 و15/2/2017 المتضمن عرض طلب تفسير المادتين (92)و(97) من الدستور على المحكمة الدستورية للوقوف على المقصود بكلمة (الحاضرين) الواردة بهما وذلك في ضوء المادة (117) من الدستور، والمادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بعد تعديلها بالقانون رقم (8) لسنة 2007، ورد إلى المحكمة كتاب رئيس مجلس الأمة رقم (KNA-07959-2017) بتاريخ 18/5/2017 متضمناً طلب مجلس الأمةالتفسير سالف البيان، وذلك طبقاً لحكم المادة (الأولى) من قانون إنشاء هذه المحكمة رقم (14) لسنة 1974، وعملاً بنص المادة (1) من لائحة المحكمة، وأُرفق بهذا الكتاب مذكرة شارحة لموضوع الطلب، حيث قامت إدارة كتاب هذه المحكمة بقيد هذا الطلب في سجلها برقم (1) لسنة 2017.
وفي مقام بيان المبررات التي استدعت طلب التفسير أشارت المذكرة إلى ما يلي:
أولاً: أن المادة (92) من الدستور تنص على أن "يختار مجلس الأمة في أول جلسة له، ولمثل مدته رئيساً ونائب رئيس من بين أعضائه، وإذا خلا مكان أي منهما اختار المجلس من يحل محله إلى نهاية مدته. ويكون الانتخاب في جميع الأحوال بالأغلبية المطلقة للحاضرين، فإن لم تتحقق هذه الأغلبية في المرة الأولى، أعيد الانتخاب بين الاثنين الحائزين لأكثر الأصوات، فإن تساوى مع ثانيهما غيره في عدد الأصوات اشترك معهما في انتخاب المرة الثانية، ويكون الانتخاب في هذه الحالة بالأغلبية النسبية، فإن تساوى أكثر من واحد في الحصول على الأغلبية النسبية تم الاختيار بينهم بالقرعة. ويرأس الجلسة الأولى لحين انتخاب الرئيس أكبر الأعضاء سناً".
كما نصت المادة (97) من الدستور على أن "يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة.
وعند تساوي الأصوات يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضاً"وأن البين من المادة (97) سالفة الذكر أنها قد وضعت النصاب القانوني اللازم لانعقاد جلسة مجلس الأمة انعقاداً صحيحاً، وهو (حضور أكثر من نصف أعضائه)، كما وضعت تلك المادة النصاب القانوني اللازم لاتخاذ القرار وهو (الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين)، وهو ذات النصاب الذي وضعته المادة (92) لانتخاب رئيس مجلس الأمة ونائبه في الجولة الأولى من عملية الانتخاب، فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية لأي من المترشحين، أُعيد الانتخاب بين المرشحين الحائزين لأكثر الأصوات ويكون الانتخاب
في هذه الحالة بالأغلبية النسبية.
ثانياً: إنه في أثناء الجلسة الأولى لمجلس الأمة في دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الخامس عشر التي عُقدت في 11/12/2016 ـــ وعندما نوه الرئيس عن البند الرابع من جدول الأعمال المخصص لانتخاب نائب رئيس مجلس الأمة ــ تقدم للترشح كل من العضو/ عيسى أحمد الكندري والعضو/ سعدون حماد العتيبي والعضو/ د. جمعان ظاهر الحربش، وقبل أن تبدأ عملية الانتخاب أعلن العضو/ سعدون حماد العتيبي انسحابه من الترشح، وبذلك اقتصر الترشح على العضوين الآخرين، وفي الجولة الأولى لعملية الانتخاب كان عدد الحاضرين (64) عضواً، وعدد الأوراق المودعة في صندوق الانتخاب (64) ورقة، إحداها ورقة بيضاء، وحصل العضو/ د. جمعان ظاهر الحربش على (32) صوتاً، وحصل العضو/ عيسى أحمد الكندري على (31) صوتاً، فاعتبر رئيس الجلسة أن عدد الحاضرين (64) عضواً على أساس أن العضو الذي قدم الورقة البيضاء يُعتبر حاضراً في الجلسة عملاً بالمادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة المعدلة بالقانون رقم (8) لسنة 2007، وبذلك تكون الأغلبية المطلقة للحاضرين هي (33)، وهي أغلبية لم يحصل عليها أي من المرشحين الاثنين، وعلى ذلك أعلن رئيس الجلسة إعادة الانتخاب، وفي الجولة الثانية كان عدد الحاضرين (63) عضواً
( لخروج أحد الأعضاء من الجلسة)، وحصل العضو/ عيسى أحمد الكندري على (32) صوتاً، وحصل العضو/ د. جمعان ظاهر الحربش على (31) صوتاً، فأعلن الرئيس فوز العضو/ عيسى أحمد الكندري الذي حصل على الأغلبية النسبية بحصوله على (32) صوتاً من أصل (63) مقابل (31) صوتاً للمرشح الآخر، اعترض على ذلك السيد العضو/ د. جمعان ظاهر الحربش الذي رأى أنه ما كان يجوز لرئيس الجلسة إعادة الانتخاب اكتفاءً بالجولة الأولى التي حسمت النتيجة، استناداً إلى أن العضو الذي قدم الورقة البيضاء في الجولة الأولى لا يُعتبر حاضراً في الجلسة وبالتالي يكون عدد الحاضرين في الجولة الأولى (63)عضواً، وليس(64)عضواً، وإذ حصل على (32) صوتاً كان يتعين على رئيس الجلسة إعلانه فائزاً لمنصب نائب الرئيس، لحصوله على الأغلبية المطلقة للحاضرين (32 من 63).
ثالثاً: أنه قد ثار خلاف في الرأي داخل المجلس حول تفسير كلمة (الحاضرين) التي وردت في المادة (92) ثم في المادة (97) من الدستور، ووضع العضو الذي قدم الورقة البيضاء في الجولة الأولى من العملية الانتخابية، ومدى اعتباره حاضراً في الجلسة، أم غائباً عنها، وذلك على الرغم من أنه كان حاضراً فعلاً في الجلسة ولكنه قدم ورقة بيضاء لا تحمل اختيار واحد من المرشحين الاثنين، فإذا اعتبر حاضراً كان عدد الحاضرين (64) عضواً، وإذا اعتبر غائباً كان عدد الحاضرين (63) عضواً، ولسبق وجود تفسير للمحكمة الدستورية صدر بتاريخ 8/1/1997 في طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996 المقدم من مجلس الأمة حول ما ثار من خلاف في هذا الشأن بمناسبة انتخاب رئيس مجلس الأمة، والذي انصب على بيان المقصود بعبارة «الأغلبية المطلقة للحاضرين» الواردة بالمادة (92) من الدستورفي ضوء المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قبل تعديلها بموجب القانون رقم (8) لسنة 2007 والتي كانت تنص على أن "يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين، كما لا تدخل في حساب الأغلبية، كل ذلك إذا كانت الأصوات التي أعطيت لم تقل عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة.
أما إذا كان عدد المؤيدين والمعارضين يقل عن هذا النصاب فإن الامتناع عن التصويت لا يعتبر غياباً عن الجلسة وتدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية.
ويسري حكم هذه المادة على الأوراق غير الصحيحة".
حيث أوردت المحكمة الدستورية في قرارها سالف الذكر أن المادة (117) من الدستور نصت على أن يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ... وأنه استناداً لهذا النص الدستوري وضع مجلس الأمة اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم (12) لسنة 1963، متضمنة نظام سير العمل بالمجلس وأصول المناقشة والتصويت، والذي شمل في معناه، ويندرج تحت مفهومه، التصويت عامة ــــ ما عدا ما هو منصوص عليه على وجه الخصوص ــــ سواء كان تصويتاً لانتخاب رئيس المجلس أو تصويتاً على مشروع قانون أو قرار، فضلاً عن تحديد أسلوبه سواء كان اقتراعاً سرياً أو علنياً، كما أن نص المادة (92) من الدستور قد اقتصر على إيراد عبارة (الأغلبية المطلقة للحاضرين) كشرط لانتخاب رئيس المجلس ونائبه، دون بيان كيفية الترشيح لهذا الانتخاب، أو كيفية الاقتراع فيه،
أو فرز الأصوات، أو إعلان النتيجة، أو كيفية احتساب الحضور، أو النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة لصحة قرار المجلس، وهي أمور لازمة لعملية الانتخاب للرئيس ونائبه، ومن ثم فإن تطبيق المادة (92) المشار إليها وحدها في هذه المسألة يكون قاصراً، بما يلزم معه الرجوع للمادة (97)، والمادة (117) من الدستور، وبخاصة المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتي تناولت بالتنظيم موضوع الامتناع
عن التصويت واعتبرته بمثابة الغياب عن الجلسة وهو ما يتصل بعملية الانتخاب.
رابعاً: أنه قد طرأ تعديل على المادة (37) من اللائحة الداخلية بموجب القانون رقم (8) لسنة 2007 ـــ بعد صدور ذلك التفسير ـــ حيث استبدل بنصها النص التالي:
"يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة.
ويعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضاً إذا لم يحصل على أغلبية الحاضرين أو الأغلبية الخاصة اللازمة لإقراره، ما لم يتعارض هذا الحكم مع نص خاص في الدستور أو في هذا القانون ".
وبذلك يكون هذا التعديل قد اعتبر أن الأغلبية المطلقة هي موافقة أغلبية الحاضرين بغض النظر عن مواقف الأعضاء الأخرين، سواء كانوا غير موافقين أو كانوا ممتنعين عن التصويت.
خامساً:إنه إزاء تباين الآراء في هذا الشأن وما اختلفت فيه الأنظار، وبناء على اقتراح تقدم به بعض الأعضاء أثناء الجلسة المنعقدة في 11/12/2016، قرر المجلس (إحالة الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لتبدي رأيها حول مدى صحة إعادة التصويت بعد أخذ آراء كل الأطراف التي لها وجهة نظر في هذا الموضوع واستطلاع رأي الخبراء الدستوريين ثم عرض الموضوع على مجلس الأمة وإحالته إلى المحكمة الدستورية).
وبتاريخ 29/1/2017 قدمت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية تقريرها (الخامس والعشرين) متضمناً رأيها الذي انتهت إليه وهو عدم صحة إعادة التصويت وكان ذلك بأغلبية ثلاثة من أعضائها وعدم موافقة اثنين وامتناع عضو عن التصويت وأوضحت اللجنة في تقريرها وجهتي النظر في مفهوم المادة (92) والمادة (97) من الدستور، وعلى وجه التحديد المقصود بكلمة (الحاضرين) في الجلسة، وبجلسة المجلس المعقودة في 15/2/2017 نظر التقرير الذي قدمته لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، وعملاً بقراره السابق الصادر بجلسة 11/12/2016 قرر التقدم بطلب التفسير الماثل إلى المحكمة الدستورية للخلوص إلى التفسير الصحيح لكلمة (الحاضرين) الواردة في المادتين (92)و(97) من الدستور في ضوء المادة (117) من الدستور، والمادة (37) من اللائحة الداخلية بعد تعديلها بالقانون رقم (8) لسنة 2007.
كما أوضحت مذكرة طلب التفسير المشار إليها أنه بمراجعة المناقشات التي دارت في مجلس الأمة حول هذا الموضوع بجلسة 11/12/2016، وما ورد بتقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية الذي أعدته بناء على طلب المجلس، والمذكرات والآراء القانونية التي قدمت للجنة أثناء اجتماعاتها والاستماع إلى عدد من الخبراء الدستوريين، يبين أن هذا الأمر يتنازعه رأيان، ولكل رأي أسانيده، وذلك على النحو التالي:
وجهة النظر الأولى: حاصلها أن العضو الذي يشارك في العملية الانتخابية ويقدم الورقة بيضاء يُعتبر حاضراً في الجلسة، ويُحسب ضمن الأعضاء الحاضرين عند حساب النصاب اللازم لإصدار القرار، مثلما حُسب بالفعل حاضراً عند حساب النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، لا سيما أن المادة (97) من الدستور تنص صراحة على أن (تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين) بمعنى أن القرار يصدر (متى توافر النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة) وذلك بموافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين، وأنه يُعد تناقضاً ظاهراً اعتبار الممتنع عن التصويت تارة غائباً عن الجلسة (على الرغم من وجوده في قاعة الاجتماع)، وذلك إذا كان مجموع عدد المؤيدين والمعارضين للموضوع المعروض يشكل النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، ثم اعتباره حاضراً تارة أخرى، إذا لم يتحقق هذا النصاب وهو يُعد تناقضاً غير مفهوم ولا سند له، وأن ما صدر عن المحكمة الدستورية من تفسير للمادة (92) من الدستور بتاريخ 8/1/ 1997 قد جاء في ضوء المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قبل تعديلها بموجب القانون رقم (8) لسنة 2007، وبالتالي فلا يجوز الاستمرار في الاستشهاد بقرار المحكمة في هذا الشأن أو الاستناد إليه أو التعويل عليه، لكونه قد انصب أساساً على المادة (37) وذلك قبل تعديلها، وأن كلمة (الحاضرين) وفقاً للصياغة الحالية لنص المادة (37) من اللائحة الداخلية أصبحت تعني الموجودين فعلاً في القاعة، وهي تشمل الممتنعين عن التصويت، أو من لا يجيب عند المناداة على اسمه، وأن مفهوم الحضور هو الحضور الفعلي، إذ يُعد حاضراً كل من تواجد في الجلسة من الأعضاء، ولو كان قد امتنع عن التصويت، وذلك وفقاً لصريح نص تلك المادة، وبالتالي فإن القول باعتبار العضو الممتنع عن التصويت غائباً على الرغم من حضوره الفعلي، في حين يُعتبر العضو المُبطل صوته حاضراً، يعتبر تناقضاً غير مقبول، كما أنه يُعد تعارضاً مع المنطق القانوني القول بأن تحديد صحة انعقاد الجلسة وبيان مدى توافر النصاب القانوني اللازم لذلك، يتوقف على عدد الأعضاء المصوتين على المسائل المطروحة لأخذ الرأي عليها، أو أنه يتعين الانتظار لحين الانتهاء من التصويت لتحديد مدى توافر نصاب الحضور من عدمه، وفي هذه الحالة قد تكون هناك جلسة انعقدت صحيحة وتوافر النصاب اللازم لانعقادها، ورغم ذلك تعذر صدور القرار لعدم توافر النصاب اللازم لصحة الحضور لمجرد رفض عضو واحد أو أكثر الادلاء بصوته، فضلاً عن أن التمسك بقرار التفسير سالف الذكر لا يخدم وجهة النظر الأخرى، لأن التفسير قد أجرى قياس الورقة البيضاء على حالة الامتناع ــــ وهو أمر غير موجود في التعديل الجديد ـــــ وبالتالي فإنه لا يجوز التمسك بحكم لا وجود له أصلاً من الناحية القانونية، ولا وجه لمظنة أن كلمة (الحاضرين) يقتصر مفهومها على المؤيدين والمعارضين فحسب دون باقي الأعضاء الحاضرين فعلاً، ولكنهم آثروا الامتناع عن التصويت في إحدى الأمور المطروحة للرأي، إذ لا يُحسبون ضمن أعداد المجموعة المؤيدة أو الرافضة، ولكن في ذات الوقت لا يمكن اعتبارهم غائبين عن الحضور، إذ لو قصد المشرع اعتبار العضو الممتنع غائباً ما أعوزه النص على ذلك صراحة أو التمسك بالنص السابق دون تعديل، أما وأن المشرع قد تدخل معدلاً النص ومؤكداً الغاية من التعديل خلال المذكرة التفسيرية، فإنه يتعين الالتزام بذلك، وبالتالي لا وجه لأي ظن يتعارض مع قصد المشرع، إعمالاً للقاعدة الأصولية ( لا عبرة بالظن البَيِّنُ خطؤه) وهو ما يتمخض عن التزام لا فكاك منه ولا محيص عنه بوجوب التقيد بأن صاحب الورقة البيضاء حاضر في الجلسة بما يرتبه ذلك من آثار، لا سيما أن تطبيق المادة (37) من اللائحة الداخلية والتي صدر قرار التفسير على ضوئها ـــ وذلك قبل تعديلها عام 2007 ــــ أدى إلى كثير من الصعوبات العملية، فكان يحدث كثيراً أن الموضوع المعروض لا يحصل على الأغلبية اللازمة لإقراره (وهي أغلبية الحاضرين)، كما لا يحصل على الأغلبية اللازمة لرفضه، فيعلن الرئيس في هذه الحالة تعليق القرار ليعاد التصويت عليه في جلسة لاحقة ربما تتغير فيها المواقف، وقد لا يحسم الأمر في الجلسة التالية ولا التي تليها فيظل الموضوع معلقاً دون البت فيه لمدة طويلة.
كما أن الامتناع عن التصويت ـــ أصلاً ـــ قد ثار خُلف في شأنه، فبينما يرى البعض أن الفقه الدستوري لا يعرف فكرة الامتناع عن التصويت ، وأنه ليس في المادة (97) من الدستور أية إشارة إلى الغياب الحكمي. وبالتالي فإن اعتبار الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة وعدم الاعتداد بالممتنعين عند حساب النصاب القانوني، أو الأغلبية اللازمة لمرور القرار رغم حضورهم فعلاً في الجلسة لا يعدو أن يكون تَزَيُّداً وتجاوزاً لحكم الدستور، بل هو بدعة ربما أوحى بها ما يجري حالياً في بعض المنظمات الدولية المعاصرة كالجمعية العامة للأمم المتحدة حيث يجوز لوفود الدول الأعضاء إلى هذه الجمعية وعند التصويت على قرار من القرارات، إما الموافقة عليه، أو معارضته أي رفضه، وإما الامتناع عن التصويت وإثبات هذا في المضبطة وذلك لاعتبارات خاصة. فقد تستشعر بعض الوفود إلى هذه الجمعية لاعتبارات وطنية أو دولية بعض الحرج في التصويت بنعم أو لا على القرار فتؤثر سلوك سبيل ثالث، أقل حرجاً، وهو الامتناع عن التصويت، وللامتناع عن التصويت من جانب مندوبي الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن وضع خاص معلوم، إذ يعني عدم الموافقة على القرار المطروح، وكذلك عدم رفضه رفضاً صريحاً يؤدي إلى سقوط القرار إعمالاً لحق الاعتراض "الفيتو"المخول لكل من هذه الدول، والسماح بمروره مع عدم الارتياح إليه أو الالتزام بمضمونه.
ولكن الأوضاع في المجالس النيابية الوطنية مختلفة تماماً عن تلك السائدة في المنظمات الدولية العالمية أو الإقليمية، فنادراً ما تتحدث الدساتير الوطنية أو اللوائح الداخلية للمجالس النيابية عن الامتناع عن التصويت، لأن المفروض في النائب العضو في هذه المجالس أن يعبر عن رأيه فيما يُعرض من قرارات بوضوح وذلك بالموافقة أو الرفض، أي بنعم أو لا، سواء أُجرى التصويت في المجلس برفع الأيدي، أو بالقيام والجلوس، أو بإثبات الرأي كتابة في اقتراع سري، أو غير ذلك من طرق التعبير. بينما يرى البعض الآخر أن الامتناع عن التصويت، هو في حد ذاته موقف يتخذه الممتنع، فهو قد يمتنع عن التصويت لعدم حضوره المناقشات التي سبقت الموضوع المطروح للتصويت، أو لعدم حصوله على المعلومات الكافية للموافقة أو عدم الموافقة والتي يراها لازمة لتحديد موقفه، وقد يمتنع لعدم الاستجابة لبعض طلباته المتعلقة بالموضوع المعروض، وقد يمتنع اعتراضاً على طريقة التصويت ذاتها، وقد يكون ذلك بتسليمه الورقة بيضاء
أو بتعمده تسليمها مع ما يؤدي إلى إبطالها، فالامتناع ليس موقفاً سلبياً، بل هو موقف إيجابي شأنه شأن الموافقة أو عدم الموافقة، ولا يعني البتة التخاذل أو التخلي عن المسؤولية بل أن الأمانة وتقدير المسؤولية قد يوجبان على العضو الامتناع عن التصويت، والامتناع قد يفوق في تأثيره إبداء الرأي بالموافقة أو الرفض، ويظهر ذلك عندما يرتفع عدد الممتنعين بحيث يزيد على عدد الموافقين والرافضين.
وأنه عندما تدارست لجنة الشؤون التشريعية والقانونية هذا الموضوع، وكما هو مبين في تقريرها الخامس والعشرين، استضافت عدداً من الخبراء الدستوريين من داخل المجلس ومن خارجه، أيدوا ما انتهى إليه هذا الرأي، لا سيما وأنه يتفق مع السوابق البرلمانية وما يجري عليه العمل بالمجلس ولجانه منذ العمل بالقانون رقم (8) لسنة 2007، وأنه من السوابق الظاهرة في هذا الخصوص ما تم بجلسة مجلس الأمة التي عقدت في 11/5/2011 بمناسبة انتخاب أمين السر، إذ أعلن رئيس الجلسة إثر انتهاء عملية الانتخاب في الجولة الأولى فوز السيد/ مبارك الخرينج بهذا المنصب لحصوله على الأغلبية المطلقة لعدد الحاضرين (30 صوتاً) مقابل (29 صوتاً) حصل عليها العضو / عدنان عبد الصمد ، وامتناع عضو واحد عن التصويت، وكان عدد المقترعين (60 عضواً) وذلك باعتبار أن العضو الممتنع يُعد غائباً عن الجلسة، وعندما نبه أحد الأعضاء الحاضرين إلى خطأ هذا الإجراء وأن الممتنع يعتبر حاضراً، أعاد الرئيس الانتخاب في الجلسة ذاتها باعتبار الممتنع حاضراً، وكان نتيجة الانتخاب في الجولة (الثانية) فوز من لم يكن فائزاً في الجولة (الأولى) وهو السيد العضو/ عدنان عبدالصمد إذ حاز على (32 صوتاً)، مقابل (26 صوتاً) وامتناع عضو واحد عن التصويت. وبالترتيب على ذلك، يخلص هذا الرأي إلى أنه عند إجراء الانتخابات لمنصب نائب رئيس مجلس الأمة كان عدد الحاضرين (64) عضواً وليس (63) عضواً، باعتبار أن صاحب الورقة البيضاء يعتبر حاضراً في الجلسة، الأمر الذي اقتضى معه إعادة الانتخاب.
وجهة النظر الثانية: حاصلها أن العضو الذي يشارك في العملية الانتخابية ويقدم الورقة بيضاء يعتبر غائباً عن الجلسة ولا يُحسب ضمن الأعضاء الحاضرين عند حساب النصاب اللازم لإصدار القرار، وسند هذا الرأي أن البين من نص المادتين (92) و(97) أن إجراءات انتخاب نائب رئيس مجلس الأمة إنما تتماثل مع إجراءات انتخاب رئيس مجلس الأمة، وذلك فيما يتعلق بشروط الانتخاب وضوابطه على الوجه التالي:
1ــ أن يحصل المرشح لمنصب نائب الرئيس وفقاً للمادة (92) من الدستور على الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين.
2ـــ أن المستفاد من نص المادة (92) وكذلك المادة (97) من الدستور أن من يعتد باحتساب صوته في انتخابات نائب الرئيس ـــ كما هو الحال بالنسبة لرئيس المجلس ــ هو حساب الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين على أساس الأصوات الصحيحة الإيجابية، ويخرج من حساب الأصوات الصحيحة الإيجابية، الممتنع عن التصويت، وكذلك من يقدم ورقة بيضاء.
3ـــ أن وصف الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين لانتخاب نائب الرئيس هو أمر مستمد من نص المادة (92) من الدستور، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية في قرارها الصادر في طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996، وهي أغلبية إنما تتكون من مجموع المشاركين في التصويت فعلاً بشكل إيجابي قبولاً أو رفضاً، بحيث لم يعد تحديد هذه الأغلبية محلاً للاجتهاد، وأنه ليس بمقدور التشريعات العادية ــــ بما فيها اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ــــ أن تمسها سواء بالتعديل أو التغيير في حكمها، لأن منبعها ومصدرها حكم الدستور، وتفسير المحكمة الدستورية ذاته الذي يعتبر جزءاً منه لا ينفك عنه، ولا يقدح في ذلك القول بأنه قد جرى تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بموجب القانون رقم (8) لسنة 2007، بحيث لم يعد تفسير المحكمة الدستورية ملزماً لصدوره قبل تعديل اللائحة، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال القول بأن من شأن تغيير أحكام اللائحة وهي التي تصدر بأداة قانونية أدنى من الدستور أن يُفضي إلى تغيير حكم الدستور.
وأشارت مذكرة طلب التفسير إلى أن موضوع الخلاف حول تفسير المادتين (92) و(97) من الدستور له أهمية بالغة في العمل البرلماني، فضلاً عن تعلقه بمن يشغل نائب رئيس مجلس الأمة، وهو منصب له أهمية كبرى، إذ يحل محل رئيس مجلس الأمة عند غيابه، كما أنه عضو في مكتب المجلس وله صلاحيات واسعة في شؤون المجلس البرلمانية والإدارية والمالية، لا سيما أنه يتم اختياره بالانتخاب طبقاً لإجراءات محددة بهاتين المادتين مما يستوجب معه الوقوف على صحيح التفسير لهما حتى تكون إجراءات اختياره متفقة مع حكم الدستور.
وعقب تلقي المحكمة طلب التفسير حددت يوم 21/6/2017 موعداً للاجتماع لنظر هذا الطلب، حيث قررت في محضر الاجتماع إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
لما كان قبول طلب التفسير منوط في الأساس ــــ حسبما استقرت عليه قرارات هذه المحكمة ـــــ بتحقق أمرين لازمين: أولهما: أن يكون منصباً على تفسير نص من النصوص الدستورية، ومُقدم طلب تفسيره من مجلس الأمة أو مجلس الوزراء. وثانيهما: أن يقوم خلاف حول هذا النص، ناشئ عن تعدد تأويلاته، وتباين الآراء في فهمه، بين صورته اللفظية وجوانبه التطبيقية، وذلك فيما بين أعضاء مجلس الأمة، أو فيما بين أعضاء مجلس الوزراء، أو فيما بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء، وأن يكون هذا الخلاف حاداً مما يتعذر التوفيق فيه على نحو يعكس أهمية وضرورة، يُتطلب معها اللجوء في شأنه إلى هذه المحكمة لتجلية الغموض والإبهام الحاصل حول النص المطلوب تفسيره، ضماناً لصحة تطبيقه، دون أن ينصرف ذلك إلى خلاف لم ينشأ عن النص الدستوري ذاته ولا يتصل الأمر بتفسيره، وإنما يتعلق بتطبيق نص قانوني أخر، ولو من زاوية اتفاقه أو تعارضه مع أحكام الدستور، باعتبار أن القوانين واللوائح لا يصح أن تكون أعلى مرتبة من الدستور، أو تسمو عليه ، فالدستور هو القانون الأساسي، وهو المرجع الأصلي لتفهم كل ما يرد في القوانين أو اللوائح ، إذ أنها
ــ بحسب الأصل ــ يتم وضعها لتنفيذ نصوص وردت في الدستور، ولا يمكن أن ينسخ أي نص فيها حكماً نص عليه الدستور، ولهذه المحكمة وحدها سلطة التحقق من توافر مناط قبول الطلب بعد تحري الخلاف حول النص على الوجه المتقدم، باعتبار ذلك هو الضابط الحاكم لمباشرة اختصاصها في هذا الصدد، سداً لذرائع الإفراط في هذا الطلب دون داع ومبرر ومن غير ضرورة وأهمية، وأن ما تباشره هذه المحكمة من اختصاص في هذا الشأن إنما تقوم به وفق الإطار الذي رسمه لها الدستور، وهي لا تباشر في ذلك إلا وظيفة فنية ذات طابـع قانوني متخصص مجرد، ولا تخوض في اختصاص ليس لها أو يجاوز ولايتها، فهي لا تقوم بهذه المهمة بوصفها جهة إفتاء، واختصاصها لا يكون منصرفاً إلا إلى النص الدستوري المطلوب تفسيره، دون أن يتعدى ذلك إلى الخوض في أمر تطبيقه، والمنوط أساساً بالسلطة المختصة بإعمال مقتضاه، وإنفاذ حكم الدستور في ضوء ما تستظهره هذه المحكمة من صحيح الأمر في تفسيره، وليس من مهمتها أيضاً أن تُنزل ما انتهت إليه في قرارها بتفسير أي نص دستوري على الوقائع
أو الموضوعات لانحسار هذا الأمر عن ولايتها، فضلاً عن أنه وإن كان لمجلس الأمة أن يطلب التفسير من هذه المحكمة أو لا يطلبه، إلا أنه ليس بسائغ لأحد أن يقوم بدور المصوب أو المصحح لما تنتهي إليه هذه المحكمة من قرار بالتفسير، أو أن يضيف فهماً لا يستقيم مع النص الذي انتهت إلى تفسيره بنظرها المستقل، ومن هنا تبرز أهمية الاختصاص الذي ناطه المشرع الدستوري بالمحكمة الدستورية في تفسير النصوص الدستورية إمعاناً في الحفاظ على طبيعة أحكام النصوص الدستورية وسموها، ونأياً بها عن تهافت التطبيق وصوناً لها من أن تُحمل على محمل من الهوى أو الجموح.
كما سبق لهذه المحكمة التأكيد أيضاً على أن طلب التفسير لا يتسم بالطابع القضائي الذي يقوم على الادعاء والدفاع والفصل في نزاع بين خصوم يتنازعون فيما بينهم على تقرير حقوق مدعاً بها أو نفيها، ولا يندرج طلب التفسير في مفهوم الخصومة القضائية، ولا يُتبع في شأن نظره سمات التقاضي وإجراءاته، ولا ما يُثار فيها من دفوع وطلبات، فضلاً عن أنه ليس من شأن تفسير المحكمة لنص دستوري معين أن يحول دون قبول طلب تفسير ذات النص متى طرأ من الموجبات ما يقتضي معه تفسيره، لا سيما إذا كان ذلك في إطار نصوص أخرى من جنسه، تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة، وفي اتصال مفاده ما يحمله النص من معان في إطار النصوص التي جرى تفسيره على ضوئها بمراعاة موضع النص من سياق تلك النصوص التي تتكامل معه محددة معانيه ومراميه.
لما كان ذلك، وكان الحاصل أنه وإن كان قد سبق لهذه المحكمة بتاريخ 8/1/1997 أن أصدرت قراراً في طلب التفسير المقدم إليها من مجلس الأمة والمقيد برقم (26) لسنة 1996، والذي انصب على تفسير نص المادة (92) من الدستور، إثر خلاف نجم عن الالتباس حول مفهوم هذا النص بمناسبة انتخاب رئيس مجلس الأمة في ذلك الوقت، بيد أن الواضح من الطلب الماثل أنه قد انصب على تفسير نص المادتين (92) و(97) من الدستور لبيان المقصود بكلمة (الحاضرين) الواردة بهما، ومدى اتساع مدلولها لشمول حالة الممتنع عن التصويت، ومن يضع ورقة بيضاء في صندوق الانتخاب دون إعطاء صوته لأحد، ومدى إدخال الممتنع عن التصويت على أي قرار مطروح على المجلس ضمن الرافضين أو القابلين له، بحسبان أن الممتنع ـــ ومثله من يضع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع ــــ يُعتبر عقلاً وبداهة غير معروف رأيه، وأن اعتباره قابلاً أو رافضاً إنما هو تحكم فيه، وإلزام له بما أراد تجنبه، ومدى اعتبار الممتنع عن التصويت بمثابة الغائب حكماً على الرغم من حضوره الفعلي وذلك من الوجهة الدستورية، حيث جاء طلب التفسير الماثل إثر خلاف نشأ بمناسبة انتخاب نائب رئيس مجلس الأمة، وهو خلاف مبناه أن ما عول عليه قرار التفسير السابق لتأكيد ما انتهى إليه فيه أضحى غير قائم، وبات متعذراً إعمال مقتضاه، بعد أن أصبح القرار بذلك مفتقداً سنده الذي ارتكز عليه، وهو مما اقتضى معه لمجلس الأمة ضرورة التقدم بهذا الطلب لهذه المحكمة، لا سيما أن لموضوعه أثره البالغ على أداء العمل البرلماني وممارسة مجلس الأمة لصلاحياته الدستورية، الأمر الذي يشير بجلاء إلى أهمية نظر هذا الطلب وقيام دواعيه في ضوء الاعتبارات سالفة الذكر، وبالتالي فإن مناط قبوله يكون متوافراً، مستجمعاً شرائطه، مستوفياً أوضاعه المقررة قانوناً.
لما كان الطلب الماثل قد جاء منصرفاً إلى تفسير كلمة (الحاضرين) الواردة بالمادة (92) من الدستور، والتي تنص على أن يختار مجلس الأمة في أول جلسة له، ولمثل مدته رئيساً ونائب رئيس من بين أعضائه، وإذا خلا مكان أي منهما اختار المجلس من يحل محله إلى نهاية مدته، ويكون الانتخاب في جميع الأحوال بالأغلبية المطلقة للحاضرين ..."، وكذا تفسير كلمة (الحاضرين) الواردة بالمادة (97) من الدستور والتي تنص على أن "يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين ..."، وما يستتبعه ذلك من أهمية الوقوف على مدى إمكانية احتساب الممتنع عن التصويت من ضمن الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين المتطلبة لصحة انتخاب الرئيس ونائبه، أو دخوله في اكتمال النصاب القانوني اللازم لإصدار القرارات، أو اعتباره بمثابة (الغائب) حكماً على الرغم من حضوره الفعلي، وذلك من الوجهة الدستورية في ضوء النصوص الواردة بالدستور ذات الارتباط وبخاصة ما نصت عليه المادة (117) من الدستور التي عهدت إلى مجلس الأمة وضع لائحته الداخلية متضمنة الطريقة التي يؤدي أعماله على موجبها لممارسة صلاحياته الدستورية والتي جاء نصها على أن "يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت ...".
وباستجلاء نص المادتين (92) و(97) محل طلب التفسير الماثل، وكذا ما يرتبط بهما من نصوص أخرى في الدستور، وبخاصة نص المادة (117) منه يبين ما يلي:
أولاً:أن المادة (92) المشار إليها قد تناولت طريقة اختيار رئيس مجلس الأمة ونائبه، بحيث يكون ذلك الاختيار بطريق الانتخاب، وبموافقةالأغلبية المطلقة للحاضرين، فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية في المرة الأولى أعيد الانتخاب بين الاثنين الحائزين لأكثر الأصوات، فإن تساوى مع ثانيهما غيره في عدد الأصوات اشترك معهما في انتخاب المرة الثانية، ويكون الانتخاب في هذه الحالة بالأغلبية النسبية، فإن تساوى أكثر من واحد في الحصول على تلك الأغلبية تم الاختيار بينهم بالقرعة. أما المادة (97) سالفة الذكر فقد تناولت شروط صحة اجتماع مجلس الأمة وحضور أكثر من نصف أعضائه، كما تطلبت لإصدار القرارات موافقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين.
والواضح لهذه المحكمة أن هاتين المادتين قد خلتا من الإشارة إلى أية إجراءات أخرى غير ما ورد بهما، وتركتا للائحة الداخلية التي يضعها مجلس الأمة طبقاً للمادة (117) من الدستور بيان تفصيلات إجراءات التصويت وأوضاعه، وذلك بما لا يُخل بالأحكام الواردة في هاتين المادتين بصفة خاصة، وأحكام الدستور بصفة عامة. كما أن هاتين المادتين خلتا من أي ذكر لحالة امتناع عضو المجلس عن التصويت أو اعتباره في حكم الغائب على الرغم من تواجده وحضوره الفعلي، فضلاً عن أنهما لا تحملان هذا المفاد لا صراحة ولا ضمناً.
أما ما انتهت إليه هذه المحكمة في قرارها السابق الصادر بتاريخ 8/1/1997 في طلب التفسير المقيد برقم (26) لسنة 1996، فإن الخلوص إلى ذلك إنما جاء بما ورد باللائحة الداخلية لمجلس الأمة قبل تعديلها بموجب القانون رقم (8) لسنة 2007، وهو فهم وتفسير مستقل عزَّزته المحكمة بنصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ــــ في حدود ما كان مطروحاً عليها ــــ وهي نصوص لا تحمل صفة الثبات التي تتسم بها نصوص الدستور.
ثانياً : أنه وإن كان الأصل أن كل عضو في مجلس الأمة عليه واجب حضور الجلسات لإبداء الرأي، إلا أن هناك حالة استثنائية وهي حالة الامتناع الشخصي عن التصويت أو إبداء الرأي، والدستور لم يمنع عضو المجلس من ذلك، وللامتناع أسبابه لدى المُمتنع يحتفظ بها لنفسه وهو موقف منه يتخذه حيال أي قرار مطروح لإبداء الرأي فيه.
ثالثاً: أن قوام التفسير هو البيان والإيضاح، ومناطه أن يشوب النص الغموض والإبهام، وغايته استجلاء ما ران على النص من غموض وخفاء، وإن كان الأمر كذلك فإن إعمال التفسير والأخذ بأدواته وأصوله يكون جزءاً أصيلاً في اختصاص الجهة المنوط بها التفسير، وتأصيلاً لذلك ترى المحكمة أنه إذا ما عُرض عليها نص يستدعي التفسير، فلا يكون تفسير النص بمعزل عن غيره من النصوص، ويتعين النظر إليه برمته من دون تبعيض له، فضلاً عن أن نصوص الدستور متكاملة، بما لازمه أنها لا تُفهم معزولة بعضها عن البعض، وإنما تأتي دلالة أي نص منهما في ضوء دلالة النصوص الأخرى، وفي اتصال ما تفيده الأخريات من معان شاملة، كما يجري استنباط الحكم من النص من خلال عباراته وألفاظه وفحواها، وإعمال مقتضيات العقل والمنطق، وتغليب التفسير الأقرب إلى روح الدستور ومراميه، وعليه يكون الحضور ـــ والذي أُشتق منه لفظ "الحاضرين"ـــ في المفهوم الدستوري والعرف البرلماني تواجد في مكان محدد، في زمن معين، لازم لصدور القرار البرلماني مما يستدعي أن يحضر العضو في مكان الاجتماع وزمانه، فحضور العضو في مثل هذه الحالة هو المؤثر في الحدث، ولا يُقبل أن يتغير ذلك الوضع من الحضور إلى الغياب، أياً كانت دواعيه أو مبرراته.
رابعاً : أنه من أصول التفسير ألا تُحمل النصوص على غير مقاصدها، وألا تُفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، والحاصل أنه باستعراض المادة (97) من الدستور أنه يشترط لصحة اجتماع المجلس حضور أكثر من نصف أعضائه أي التواجد الفعلي في مكان الاجتماع وزمانه، ويشترط لاتخاذ القرارات موافقة الأغلبية المطلقة لهؤلاء الحاضرين، وذلك بغض النظر عن مواقف الأعضاء الآخرين سواء كانوا من المُصّوِتين بالرفض، أو ممن امتنعوا عن التصويت.
وصيغة المادة (97) تؤدي إلى التحقق والتثبت قبل الشروع في أخذ الآراء وإصدار القرارات من تكامل العدد المطلوب من الأعضاء لاجتماع المجلس صحيحاً ابتداءً، وبالتالي فلا يتوقف حساب عدد (الحاضرين) على موقف كل عضو من التصويت، ولما كان ذلك وكان نص المادة (92) من الدستور قد اشترطت ـــ ابتداءً ـــ انتخاب رئيس المجلس ونائبه بالأغلبية المطلقة للحاضرين، أي بحصول المرشح الفائز على أصوات تزيد على نصف عدد الحاضرين بأي قدر وقت التصويت، وعلى ذلك فإنه يتعين الالتزام بما ورد بالمادة (97) لإعمال مقتضى المادة (92) في هذا الخصوص مع وجوب التقيد بأحكامها في هذا الشأن، ودون الخروج عن صحيح الأمر في تفسيرها على النحو سالف البيان.
خامساً: أن عضو المجلس الممتنع عن التصويت الذي كان متواجداً في مكان اجتماع المجلس وحاضراً وقت التصويت، يتعين حسابه في عداد الحاضرين، ويسري الحكم ذاته على من شارك في التصويت بورقة بيضاء.
لذلك
قـررت المحكمة: أن كلمة (الحاضرين) الواردة بالمادتين (92) و(97) من الدستور ــــ محل طلب التفسير ــــ تنصرف إلى كل من كان متواجداً من الأعضاء في مكان اجتماع المجلس، وحاضراً وقت التصويت في انتخاب الرئيس أو نائبه أو إصدار القرارات أياً كان رأيه فيما هو مطروح، وذلك على النحو الموضح بمدونات القرار.
أمين سر الجلسة رئيس المحكمة