المحكمة الدستورية
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقــــــدة علنـاً بتاريــــخ 30 مـن جمادى الأولى 1437هـ الموافـــق 9 مارس 2016م
برئاسة السيد المستشار/يوسف جاسم المطاوعة رئيس المحكمـــة
وعضوية السادة المستشارين/محمد جاسم بــــن ناجــي وخالد سالم علي
وخالـد أحمــد الوقيـان وعلـــــي أحمــــد بوقمــــــــــــاز
وحضور السيد/محمد خالد الحسين أمين سر الجلسة
صدر الحكم الآتي:
في الدعوى المقيدة في سجل المحكمة الدستورية برقم (37) لسنة 2014 "دستوري"
بعد أن أحالت محكمة الاستئناف القضية رقم 24/2012 حصر نيابة أمن الدولة – 18 لسنة 2012 جنايات أمن الدولة:
المقامة من: النيابة العامة
ضــــــد :
1ـ مسلم محمد حمد ناصر البراك.
2ـ عباس محمد غلوم عبدالله .
3ـ مبارك محمد كنيفذ الوعلان .
4ـ سالم نملان مدغم العازمي .
الوقائــع
حيث إن حاصل الوقائع – حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – أن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين أنهم في يومي 4و5/11/2012 بدائرة إدارة جهاز أمن الدولة بدولة الكويت :
المتهم الأول: وهو كويتي الجنسية أذاع عمداً في الخارج أخباراً وإشاعات كاذبة ومغرضة حول الأوضاع الداخلية في الكويت بأن بث مداخلة عبر قناة (France 24) ضمنها عبارات تقطع بوجود ثلاثة آلاف وخمسمائة فرد أمن من رجال الأمن الأردني في دولة الكويت يرتدون زي القوات الخاصة الكويتية بغرض المشاركة في قمع المظاهرات، وكان من شأن ذلك إضعاف هيبة الدولة واعتبارها والإضرار بالمصالح القومية للبلاد ، وذلك على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات .
المتهمون جميعاً : أ- اشتركوا وآخرون مجهولون في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص بغرض الإخلال بالأمن العام وبقوا متجمهرين بعد صدور أمر رجال السلطة العامة لهم بالانصراف وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
ب- اشتركوا وآخرون مجهولون في مظاهرة يزيد عدد المشاركين فيها على عشرين شخصاً دون ترخيص بها من الجهة المختصة على النحو المبين بالتحقيقات.
ج- لم يستجيبوا للأمر الصادر من رجال السلطة العامة بفض المظاهرة موضوع الوصف (ب) عاليه على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت النيابة العامة عقاب المتهمين طبقاً للمادتين (15) و(34/1) من القانون رقــم 31 لسنــــة 1970 بتعديــل بــعض أحكـــام قانــون الجــــزاء والمواد (4) و(5) و(12) و(13) و(15) و(16/3) و(20/1) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات.
وأثناء نظر القضية أمام محكمة الجنايات دفع الحاضر مع (المتهم الأول) بعدم دستورية المادة (15) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، وذلك على سند من القول بأن نص تلك المادة قد جاء مجافياً للضوابط الدستورية، فصيغت عباراته مشوبة بالغموض وعدم الوضوح، واتسعت قوالبها بما يصرفها إلى غير الأغراض المقصودة منها، وذلك بالمخالفة للمواد (30) و(32) و(34) و(36) من الدستور.
وبجلسة 17/6/2014 بعد أن تراءى للمحكمة جدية هذا الدفع، قضت بوقف نظر القضية، وإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية نص المادة (15) من القانون سالف الذكر.
وقد ورد ملف القضية إلى إدارة كتاب هذه المحكمة، وقيدت في سجلها برقم (37) لسنة 2014، وتم إخطار ذوي الشأن بذلك، وأودعت النيابة العامة مذكرة في الدعوى ـــــ لتعلق المنازعة الدستورية بنص جزائي عملاً بنص المادة (15) من لائحة المحكمة الدستورية ـــــ حيث انتهى رأيها في الدعوى إلى رفضها.
وقد نظرت المحكمة الدعوى على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن المادة (15) من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء تنص على أن "يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل كويتي أو مستوطن في الكويت أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة
أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد".
وحيث إنه من المقرر ــــ في قضاء هذه المحكمة ــــ أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية التي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبتها، وهو مما مؤداه ألا تفصل هذه المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، وبقدر ارتباطها به.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الجريمة التي نسبتها النيابة العامة إلى (المتهم الأول) مبدي الدفع بعدم الدستورية أنه قد أذاع عمداً في الخارج إشاعات كاذبة ومغرضة حول الأوضاع الداخلية في الكويت، وكان من شأنها (إضعاف هيبة الدولة واعتبارها والإضرار بالمصالح القومية للبلاد)، فإن مصلحته الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية تنحصر في الطعن على ما تضمنه النص متعلقاً بوصف هذه الجريمة وحدها دون غيرها، وبالتالي فإن ما ورد بالنص الطعين محل الدفع منصرفاً إلى عبارة (إضعاف الثقة المالية للدولة) يكون منبت الصلة بوصف الجريمة المنسوبة إليه، والتي لم يتضمنها قرار الاتهام في الدعوى الموضوعية، مما يغدو معه الطعن على ما تضمنه النص في هذا الخصوص غير مقبول لانتفاء مصلحته في الطعن عليه
وحيث إن إجراءات الإحالة ـــــ فيما عدا ما تقدم ــــــ قد استوفت أوضاعها المقررة قانوناً.
وحيث إن مبنى الطعن على الشق المطروح من المادة (15) من القانون رقم (31) لسنة 1970 سالف البيان ــــ حسبما يبين من حكم الإحالة ـــــ أن عبارات هذا النص قد صيغت على نحو من العموم والشمول، واتساع الحدود الضيقة لنواهيها، بحيث يلتبس المخاطب بها بحقيقة الأفعال المجرمة مما تقوم به شبهة التعارض مع نص المادتين (30) و(32) من الدستور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن العموم في صياغة النصوص التشريعية لا يصح أن تكون مدخلاً لتعييب التشريع والقول بعدم دستوريته باعتبار أن العموم ــــ في حد ذاته ـــــ من أبرز متطلبات القاعدة القانونية التي يجب أن تكون عامة، أي ينصرف أثرها إلى الكافة، والعموم هنا غير الاتساع، فالأول مطلوب كضابط تشريعي، والآخر ـــ إن جاء غير منضبط ــــ فهو عوار في التشريع قد يودي به إلى مدارك الإهدار. ولا يقوم هذا العوار الذي مرده إلى اتساع عبارات النص إلا إذا أدى بذاته إلى لبس يغلق فهم المخاطبين به، بحيث لا يدركون حدود النهي الوارد فيه ـــ إن لعدم تحديده على نحو صريح أو لالتباسه في المعنى والمبنى مع ما هو مباح وغير مجرم ــــ فإن لم يكن النص التشريعي ـــــ والجزائي على وجه الخصوص ــــــ مؤدياً إلى ذلك ويمكن للفهم العام استخلاص الفعل المجرم وأركانه وحدوده وليس من العسير تبين نواهيه وزواجره، وفيه من الشواهد ما يعين على فهمه فإنه لا مجال للقول باتساعه وعموميته والتباسه، ومن ثم التمسك بعدم دستوريته استناداً لذلك، والمعيار في كل ما سبق معيار موضوعي لا شخصي، فضلاً عن أن المشرع بما له من سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق والواجبات ــــ وبما لا إخلال فيه بالمصلحة العامة ــــ أن يحدد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها، أركان كل جريمة ودون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها ، فلا يشوبها الغموض ، أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور.
ولما كان ذلك، وكانت العبارات الواردة بالشق الأخير من نص المادة (15) من قانون الجزاء المشار إليه قد جاءت واضحة جلية، محددة المعنى بصورة يقينية، لا التباس فيها ولا غموض، وتنبئ بجلاء عن ماهية الأفعال المنهى عنها بدقة، حيث جاء تحديدها قاطعاً لها، وفهمها مستقيماً لعباراتها، منطوية على تحديد جازم لضوابط تطبيقها وفق معايير تنفرد بها وحدها في حدود ضيقة لا انفلات في عباراتها، ولا يستعصي على الفهم العام استخلاص الأفعال المادية المجرمة وأركان ذلك الفعل وحدوده، فالواضح من عبارة (إضعاف هيبة الدولة واعتبارها) وعبارة (الإضرار بالمصالح القومية للبلاد) أنه لا يمكن أن يُحمل فهمها إلا على كل ما يمس بكيان الدولة وما من شأنه أن يعصف به، أو ينال من مقومات الدولة الأساسية كالأمن العام والأمن الاقتصادي والاجتماعي وسمعتها وسياساتها، وأن ذلك كان نتيجة حتمية لجريمة عمدية يرتكبها الجاني بيدٍ اتصل الإثم بعملها وعقل واع خالطها، محدداً لخطاها متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها موجهاً جهده لتحقيقها، وذلك بارتكاب الأفعال المادية للجريمة التي تتمثل بإذاعته عمداً في الخارج ـــــ بأي وسيلة كانت ـــــ أخباراً أو إشاعات كاذبة ومغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد على نحو من شأنه المساس بمكانة الدولة واعتبارها بين الدول أو الإضرار بمصالحها في محيطها القومي على ما سبق.
فإذا كان الأصل في الخبر أنه إنباء بأمر وقع فعلاً، وهو مما يتطلع الناس لمعرفته سواء من الحوادث أو الآراء أو الحقائق وما يتعلق بها من نتائج مما يحرك اهتمامهم، فإنه متى كان الخبر في ظاهره من شأنه أن يترتب عليه ضرر، فإنه من الواجب على من يريد إذاعته ألا يُقدم على ذلك قبل أن يتثبت من صحته، ويقصد بعبارة الخبر الكاذب هو ما كان غير مطابق للحقيقة أو الواقع أو مخالفاً للصدق في جملته، أو في بعض تفصيلاته أو في إحداها، أو في وصف الحوادث التي وقعت فعلاً، ويجب أن يتوافر فيه شرطان: (الأول) رواية واقعة غير صحيحة، و(الثاني) أن تكون الرواية متعلقة بحادث مزعوم، فالخبر مهما تكن طريقة سياقه، إن ساقه الشخص على أنه إشاعة ينشرها على علتها فهي إشاعة مزعومة، كاذبة، ولا ريب أن من شأن ذلك أن يلحق ضرراً بالمصلحة العامة فوجب العمل على اتقائه درءً لما ينجم عنه من أخطار. لذلك لم يكن عبثاً النص في هذه الجريمة على (التعمد) لأن من شأن صراحة النص على ذلك إلقاء عبء الإثبات على النيابة العامة، وذلك وفق العبارات الدقيقة الواردة بصدر نص المادة (15) المطعون على الشق الأخير منها، والذي أوضح النص بجلاء وبصورة يقينية لا التباس فيها ولا إبهام، الأفعال والعناصر التي انتظمها ذلك النص، قاطعة في اتجاهها مباشرة إلى الأغراض التي توخاها لتأمين المصلحة المقصودة بالحماية، وبالتالي فإن الادعاء بمخالفة ما ورد بالنص في الشق الأخير من المادة المشار إليها لأحكام المادتين (30) و(32) من الدستور يكون على غير أساس صحيح.
وبالترتيب على ما تقدم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة: برفـــــــض الدعــــــــــــوى .
أمين سر الجلسة رئيس المحكمــة